{ياأيها المدثر} أي المتدثرُ هو لابسُ الدثارِ وهُوَ مَا يُلبسُ فوقَ الشِّعارِ الَّذي يلي الجسدَ قيلَ: هيَ أولُ سورةٍ نزلتْ. رُويَ عنْ جابرٍ رضيَ الله عنْهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قالَ: «كُنت عَلى جبلِ حراءٍ فنوديتُ يا محمدُ إنَّكَ رسولُ الله فنظرتُ عنْ يميني وَيسارِي فلمْ أرَ شيئاً فنظرتُ فوقِي فإذَا بهِ قاعدٌ عَلَى عرشٍ بينَ السماءِ والأرضِ يعنيَ المَلكَ الَّذي ناداهُ فرعبتُ ورجعتُ إلى خديجَةَ فقلتُ: دثرونِي فنزلَ جبريلُ وقال: {ياأيها المدثر}» عَنِ الزهري «أنَّ أولَ ما نزلَ سورةُ اقرأْ إلى قولهِ تعالى: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} فحزنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وجعلَ يعلو شواهقَ الجبالِ فأتاهُ جبريلُ عليهِ السَّلامُ وقالَ: إنكَ نبيُّ الله فرجِعَ إلى خديجةَ فقالَ: دثرونِي وصُبُّوا عليَّ ماءً بارداً فنزلَ جبريلُ فقالَ: {ياأيها المدثر}» وقيلَ: سمعَ منْ قريشٍ ما كرهَهُ فاغتمَّ فتغطّى بثوبِه متفكراً كَمَا يفعلُ المغمومُ فأُمِرَ أنْ لا يدعَ إنذارَهم وإنْ أسمعُوه وآذوه. وقيلَ: كانَ نائماً متدثراً. وقيلَ: المرادُ المتدثرُ بلباسِ النبوةِ والمعارفِ الإلهيةِ. وقرئ: {المُدَثَّرُ} علَى صيغةِ اسمِ المفعولِ منْ دَثَرَهُ أي الَّذي دثرَ هذا الأمرَ العظيمَ وعصبَ به وفي حرفِ أبي المنذرِ يا أيها المتدثرُ عَلى الأصْلِ {قُمِ} أي من مضجعكَ أوْ قُمْ قيامَ عَزْمٍ وَتصميمٍ {فَأَنذِرْ} أي افعلِ الإنذارَ وَأَحْدِثْهُ وقيلَ: أنذرْ قومَكَ كقولِه تعالَى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين} أو جميعَ النَّاسِ حسبَمَا ينبىءُ عَنْهُ قولُه تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} {وَرَبَّكَ فَكَبّرْ} واختصَّ ربَّك بالتكبيرِ وهو وَصْفُهُ تعالى بالكبرياءِ اعتقاداً وقولاً ويُروى أنَّه لمَّا قالَ رسولُ الله: «الله أكبرُ» فكبرتْ خديجةُ وفرحتُ وأيقنتْ أنَّه الوحيُ وقدْ يحملُ على تكبيرِ الصَّلاةِ والفاءُ لمعنى الشرطِ كأنَّه قيلَ: ما كان أيْ أيُّ شيءٍ حدث فلا تدعُ تكبيرَهُ أوْ للدلالةِ عَلى أنَّ المقصودَ الأولى من الأمرِ بالقيامِ أنْ يكبرَ رَبَّه وينزهَهُ منَ الشركِ فإنَّ أولَ ما يجبُ معرفةُ الصانعِ جلَّ جلالُه ثم تنزيهُه عَمَّا لا يليقُ بجنابهِ.{وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ} مما ليسَ بطاهرٍ فإنَّه واجبٌ في الصَّلاةِ وأولى وأحبُّ في غيرِها وذلكَ بصيانتها وحفظها عن النجاساتِ وغسلِها بعد تلطخِها وبتقصيرها أيضاً فإنَّ طولَها يؤدي إلى جرِّ الذيولِ على القاذوراتِ وهُوَ أولُ ما أمَرَ بهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منْ رفضِ العاداتِ المذمومةِ وقيلَ: هُو أمرٌ بتطهيرِ النفسِ مما يستقذرُ منَ الأفعالِ ويُستهجنُ منَ الأحوالِ يقالُ: فلانُ طاهرُ الذيلِ والأردانِ إذا وصفُوه بالنقاءِ من المعايبِ ومدانسِ الأخلاقَ.